مرحبا بكم في منتدى الجمعية الفلسفية اليمنية








شعار الجمعية

الأحد، 23 مايو 2010

واقع الفلسفة في الفكر العربي المعاصر




                                              واقع الفلسفة في الفكر العربي المعاصر

                                نشر في صحيفة 22مايو اليمن بتاريخ25يناير2005م


حوار مع أ. د./حسن الكحلاني

اجرى الحوار/ عبدالله السالمي

مع اشتغاله استاذاً للفلسفة المعاصرة في جامعة صنعاء فإنه يرأس الجمعية الفلسفية اليمنية التي شكل قيامها - حسب تعبيره - منجزاً فكرياً جديداً لتأكيد دور الفلسفة واهميتها في إثراء الحياة الثقافية في وطننا اليمني الحبيب¡ وبما يفتح آفاقاً رحبة للتواصل مع ثقافتنا العربية¡ وسواها من الثقافات الإنسانية المتعددة.

ذلك هو الدكتور حسن الكحلاني ¡ نائب عميد كلية الآداب للشؤون الاكاديمية والدراسات العليا الذي يكشف في هذا الحوار عن بعض أوجه تأخر الدرس الفلسفي الاكاديمي في جامعاتنا ¡ وعدم نبوغ فلاسفة ومفكرين في ساحتنا الثقافية كتلك الاسماء التي تظهر عربياً بين الحين والآخر في اكثر من بلد.. وغير ذلك من قضايا الفلسفة التي اصبحت اشبه ما يكون بذكرى موسمية بعد ان كانت شغل الحياة الشاغل معرفياً وثقافياً وعلى مختلف الاصعدة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.. فإلى نص الحوار.

< لنبدأ من اختيار اليونسكو يوماً اسمته «اليوم العالمي للفلسفة».. هل اصبحت الفلسفة معطى معرفياً لا ينشط الا كتظاهرة موسمية بما يجعل منها فكرة غائبة تحتاج الى ان نعطيها يوماً نحيي فيه ذكراها¿

- لا، ليست كذلك.. فلماذا اختارت منظمة اليونسكو هذا اليوم..¿ لأنه تم ادخال ادارة خاصة بالفلسفة في منظمةاليونسكو تعنى بالفلسفة وقضاياها, ورأت منظمة اليونسكو ان الفلسفة تمثل لغة الحوار الحقيقي بين الثقافات والحضارات.. فالفلسفة تقع دائماً وابداً على قمة الهرم الثقافي للبشرية.. فإنتاج البشرية للفكر الانساني يتركز في الفلسفة.. ولذا فإن منظمة اليونسكو قد جعلت للفلسفة مكانة متميزة كوسيلة للتواصل بين الشعوب والثقافات والحضارات والديانات ايضاً.. فأنشأت لها هذه الوحدة¡ وحددت يوماً للاحتفاء بها في كل عام من نوفمبر في كل انحاء العالم.. ثم انها ليست مناسبة طارئة¡ وانما ستكون مناسبة دائمة للتذكير لان الفلسفة هي لغة الثقافة والحوار¡ ولا يمكن ان نستغني عنها¡ بل هي تعمل على تربية العقل بالقيم الجمالية والاخلاقية والمعرفية.

< لنتحدث عربياً¡ وانت استاذ في الفلسفة.. فقديماً في الفكر العربي والاسلامي كان ثمة فلاسفة ومفكرون لهم دورهم الكبير في ترسيخ الفكر الفلسفي كمعلم ثقافي وحضاري كالفارابي وابن رشد واخوان الصفا مثلاً.. حالياً هل توجد اسماء عربية لها مشاريع فكرية فلسفية توازي المشاريع التي كانت.. او تبني عليها بلحاظ مستجدات الواقع¿

- نعم.. هناك رموز لمفكرين وفلاسفة عرب¡ ولكن للاسف فالبعض يقرأهم ويعرفهم ولكن لا يعرف انهم اساتذة فلسفة.. من هؤلاء: الفيلسوف المغربي محمد عابد الجابري¡ لديه مشروعا فكريا متكاملا، وله كثير من المؤلفات والكتابات اعاد فيها قراءة التاريخ الفكري للأمة العربية ، وبالتالي فقد شكلت أعماله مرحلة نقد لتأسيس منهجه الجديد. وايضاً المفكر الفيلسوف العربي حسن حنفي في مصر.. فهو استاذ كبير ويمتلك مشروعاً فلسفياً ، تجلت في عدد من المؤلفات منها «من العقيدة الى الثورة» خمسة أجزاء.ولديه كتاب عن الاستغراب، ومؤلفات عديدة، وايضاً لدينا فيلسوف عربي كبير سوري الجنسية هو طيب تيزيني، وكنت في نهاية ديسمبر من السنة الفائتة قد حضرت معه في القاهرة والاسكندرية لقاءات موسعة في ندوة نقيمها كل عام تحت عنوان « حوار الاجيال» «وحوار الديانات والثقافات» واستعرضنا مشروعه الفكري المتكامل¡ فله اكثر من إثني عشر مجلداً، ولديه مشروع جديد، فقد كان مشروعه الاول بعنوان «الفكر العربي.. من التراث الى الثورة» والآن ينوي ان يواصل مشروعه يسميه «من التراث الى النهضة».. هذه نماذج.. وهناك اعلام بارزة في الفلسفة العربية كمحمد عزيز الحبابي وهو«فيلسوف مغربي» من الفلاسفة الشخصانيين العرب، وله اسهامات كبيرة، وكذلك عبدالرحمن بدوي، والدكتور زكي نجيب محمود¡ وابو يعرب المرزوقي¡ وفتحي التريكي فيلسوف تونسي¡ مؤسس فلسفة التعدد والتنوع.وصلاح قنصوة في مصر،وناصيف نصار وأدونيس العكرة في لبنان، وحسام الألوسي ، وعبد الأمير الأعسم في العراق، وغير هؤلاء من الفلاسفة الكثيرين الذين لا يمكن الاحاطة بأعدادهم ¡ وتقام ندوات ومؤتمرات للفلسفة في الوطن العربي كل عام.

< بملاحظة هذه الاسماء التي ذكرت ثمة - قديماً وحديثاً - ما يعرف بجدلية الدين والفلسفة.. وبالرجوع الى الجابري وحسن حنفي مثلاً استطيع القول: ان تبلور المشروع الفكري الفلسفي لديهما يأتي في لبوس الفكر الديني ولا يخرج عن عباءته¡ او ما يطلق عليه تجديد الفكر الديني.. السؤال هو الى اي مدى يمكن ان نفصل فعل الفلسفة خارج محيط الفكر الديني بما يحدد اوجه هذه الجدلية¿

- شكراً لك.. ويبدو انك مطلع ممتاز في هذه الجوانب¡ وهذا سؤال مهم جداً.. الفلسفة ظهرت كما هو معروف - في المجتمعات الشرقية واليونانية قبل ظهور الديانات السماوية.. وكان الفيلسوف يبحث عن الحقيقة.. فقد كان يقال ان افلاطون فقط ينتظر الوحي¡ لكنه وصل الى الحقيقة وقال بمثال الخير¡ وارسطو قال بوجود المحرك الاول الذي لا يتحرك¡ وقال انكساجوراس في الفلسفة اليونانية بأن ما ينظم هذا العالم هو العقل الكلي.. حينما ظهرت الديانات اليهودية والمسيحية والاسلامية كانت الفلسفة تشق طريقها لتأكيد أهمية معرفة العالم عن طريق العقل.. وحينما جاء الدين حدث نوع من التقابل وليس التعارض لان الدين والفلسفة - كما يقول هيجل -يبحثان عن موضوع واحد هو الحقيقة.. الفيلسوف يبحث عن طريق العقل للوصول الى الحقيقة ويصل الى الايمان.. وقد وجدنا في تاريخ الفلسفة ان غالبية مطلقة من الفلاسفة وصلوا الى الايمان عن طريق العقل¡ ونادراً جدا ًما نجد فلاسفة - كما يطرح - في تعارض مع الدين¡ فهذا ليس بصحيح.. فالفلسفة العربية الاسلامية اظهرت اعلاماً بارزين.. كالكندي ¡ الفيلسوف العربي الاول¡ ثم الفارابي¡ ثم ابن سيناء¡ ثم ابن رشد¡ واخوان الصفا¡ والصوفية.. والمعتزلة.. فلاسفة ورموز في الفكر الفلسفي العربي ¡ ولم يحدث اي تعارض بين الفلسفة والدين في هذه المرحلة¡ وانما استخدمت الفلسفة للدفاع العقلي عن الدين¡ لأن الاسلام حينما ظهر ووجه بأفكار اخرى.. بحضارات شرقية وغربية تمتلك الحجة العقلية ¡ فكان على المعتزلة وهم اول تيار كلامي ان يدافعوا عن الدين بالحجج العقلية¡ وكذلك الفلاسفة العرب¡ ايضاً دعموا الدين وحججه ازاء التيارات المعادية فتداخل الدين والعقل¡ او تداخلت العاطفة والايمان مع العقل¡ وازدهرت الحضارة العربية الاسلامية.. فنحن نعرف انه في ظل الدولة العباسية كان المأمون يشجع على ترجمة كتب الفلسفة.: ويعطي من يترجم كتاباً فلسفياً وزنه ذهباً. فانتشرت حركة الترجمة من الفلسفة اليونانية¡ وتم تغذيتها والاضافة اليها¡ في الوقت الذي كانت فيه اوروبا تعيش في عصر الظلام وازدهرت الفلسفة في اوروبا فيما بعد عن طريق ابن رشد في الاندلس¡ وعن طريق الفلاسفة العرب.. كتب ابن سيناء و ابن رشد درست اكثر من 300 عام في الجامعات الغربية. ثم جاءت الفلسفات الغربية وتداخلت مع المسيحية.. غير أن الفرق فيما حدث ان المسيحية كانت تحارب التفكير العقلاني.. بينما كان الاسلام يدعو الى هذا التفكير.فظهرت الدعوة في اوروبا الى الفصل بين الدين والدولة¡ حينما جاء من يخرج على الكنيسة مثل: «مارتن لوثر، وكالفن» وهما من رجال الدين المسيحي، فقادا حركة التنوير الديني ، وظهرت فكرة الفصل بين الدين والدولة، اما في الفكر العربي الاسلامي¡ فالدين الإسلامي يدعونا الى اعمال العقل فلا يوجد تعارض إذن..

- حتى لا يبعد بنا الحديث في المقاربات او الفوارق.. انا اقصد التيار الذي وقف ضد المعتزلة، وما هو شائع لدى السلفية الدينية عن الفلسفة « من تفلسف فقد تزندق» وكذلك الاتجاه الذي مثله الغزالي تجاه الفلاسفة في كتابه «تهافت الفلاسفة».. الخ.. هذا التيار ما يزال يضرب بجذوره في اعماق الفكر الديني¡ واقفاً على النقيض من العقلانية الفلسفية التي تحدثت عن ازدهارها في عصور الحضارة.. فما الذي تلاها؟

- هذا صحيح.. فدائماً تزدهر الفلسفة¡ ويزدهر العقل في مرحلة ازدهار الحضارة¡ وفي مرحلة انهيارها يحدث العكس.. فحينما انهارت الحضارة العربية الاسلامية مع سقوط بغداد في عام 1258م على أيدي المغول حينما شعر العرب بالضعف ظهرت الافكار التي تحارب العقل¡ وظهر من يحابي الحكام والولاة في محاربة الوعي ومن ذلك كتاب تهافت الفلاسفة¡ وتهافت الفلسفة.. للامام الغزالي.. لكن لو قرأنا كتابات الغزالي بدقة لوجدنا أنه كان يريد للناس أن يقرأوا الفلسفة ¡ لكنه كان يخاف السلطان.. وكان يقول: من يرد أن ينتقد مذهباً فلسفياً فعليه أن يقرأه حتى يصير كأعلم علمائه.. وحينما يصل إلى مرتبة اعلم علمائه سيكون حينها متذوقاً للتفكير الفلسفي ولن يحاربه .. وفي كتابه «المنقذ من الضلال» اشار الى هذا.. فقد انتقل من علم الكلام ،الى الفسلفة، الى التصوف ، من العقل الى الوجدان.. وعرض - فقط_ الفلاسفة والمعارضين لهم.. واتجهت هذه الحركة المعادية للعقل من قبل بعض من يخشون من العقل.. لان الاسلام لم يزدهر إلا عن طريق الفلسفة والعقل.. ولكن للاسف- كما ذكرت- فقد استمر هذا التيار الى يومنا هذا.. لقد كانت هناك نهضة فكرية فلسفية ففي ظل الحضارة العربية الاسلامية ازدهرت الفلسفات وظهر هؤلاء الشوامخ.. وحينما ظهر الانحطاط والانكسار والهزيمة الحضارية الشاملة حدثت ردة ضد العقل الفلسفي العربي لازلنا نعاني منها حتى الآن .. ولكن هناك اقسام للفلسفة لازالت موجودة في كل الجامعات العربية¡ باستثناء دول محدودة¡ تعد بالاصابع¡ ومع هذا فهي تدرس باسم التفسير¡ تفتح اقساماً للتفسير كما هو الحال في بعض دول الخليج.. لكن اقسام الفلسفة موجودة وهناك هجمة وردة اصولية ضد التفكير العقلاني¡ بالفعل.. لكن التاريخ يمر وعجلة الزمن تتحرك للامام¡ ونحن الآن احوج ما نكون الى التفكير الفلسفي ¡ وما اليوم العالمي للفلسفة الا تأكيد على اهمية الثقافة العقلية¡ واهمية الفلسفة¡ ويسعى الآن المفكرون والفلاسفة العرب الى بلورة مشروع حضاري فكري نهضوي جديد..

- من عنوان كتابك «الفردانية في الفكر الفلسفي المعاصر» اود الاشارة الى ما يسمى بعوالم النخبة¡ ففي الفكر العربي المعاصر ثمة مفكرون وفلاسفة لهم مصطلحاتهم الخاصة¡ او اهتماماتهم الطوباوية التي قد تجعلهم في معظم الاحيان يغردون خارج السرب.. ماذا عن علاقة هذا الموضوع بعدم احساس بعض هؤلاء بضرورة مخاطبة الانسان الفرد الذي يفكرون في قضاياه.. وبالتالي تسهيل لغة التخاطب معه بالقدر الذي يفهمه ويتعقله؟

- كتابي «الفرادنية في الفكر الفلسفي المعاصر» اعتبره وجهة نظر خاصة بي.. فكرة تتخلق وتتكون لدي منذ سنوات كثيرة جداً، واردت بهذا الاسم الجديد بالفعل وكان اطروحتى للدكتوراه.. وحينما ناقشتها كان يقال ان هذا المصطلح جديد ولاول مرة يسمع به.. وكنت انا سعيد لانه جديد¡ لاول مرة يستخدم.. فالفردانية هي الانسان.. تعني الفردانية انني أريد أن اؤكد على دور الانسان في التاريخ ، على دور العقل الانساني¡ على دور الذاتية ايضاً.. لان الفردانية هي الذاتية¡ والفردانية هي الانسان وهي التفكير العقلاني، فأردت أن أطرح هذه الفكرة ، وأنا الآن أعيد قراءة التاريخ من الاساطير.. مما قبل الفلسفة الى الآن على أساس تقسيم الفكر الفلسفي ما بين ذاتية وموضوعية  ما بين فردانية وعكسها¡ التي هي نزعة شمولية¡ النزعة الجماعية التي تلغي دور الانسان في التاريخ.. نحن نعرف أن التاريخ دائماً صنعه أفراد.. صنعته النخبة.. هذه النخبة حقيقية.. الانبياء¡ والمفكرون¡ والفلاسفة والعلماء.. هؤلاء هم من أضاء لنا نور الحياة¡ ونور العقل¡ وهم الذين استطاعوا أن ينجزوا الكثير للحضارة الانسانية.. الافراد.. فأنا أريد أن أؤكد على دور الفرد.. وهذا الفرد ليس نخبة؛ وانما يمكن أن يكون هذا الفرد المتميز المتفرد موجوداً فينا.. في أعماق كل واحد داخل هذا المجتمع.. أو داخل هذه الأمة.. فنحن نريد أن ننمي طاقات الافراد.. وكتابي الفردانية الذي طبع في مصر عن طريق مدبولي وتواجده قليل هنا وفي اليومين السابقين أعطيت محاضرتين فلفت انتباه الكثير وبدأ الحديث عنه بالفعل لان كلمة الفردانية ترتبط بالاستبداد¡ او بالفرد المستبد¡ وانا اقصد الفرد المتميز المنتج المبدع الذي يستطيع ان يقدم لهذه الأمة الكثير¡ لان الشعوب دائماً لابد ان تجد من يأخذ بيدها¡ من يرشدها من الافراد..

- الانسان الفرد.. رجل الشارع.. الطالب.. الخ هل هذا الفكر النخبوي للفلاسفة يحيي هذه النزعة لدى الفرد¿ بهذه الايديولوجيا سواء في مضمونها او طريقة التعبير عنها المتعالية والمستعصية على الفهم. . هل يستطيعون التأسيس لهذه النزعة¿!

- دائما ثمة علاقة جدلية بين المثقف والانسان العادي.. المثقف هدفه الأوحد أن يرفع وعي الانسان العادي الى الاعلى.. لا ان ينزل اليه.. لانه اذا نزل اليه سيسطح اللغة¡ سيعمل على تسطيح المفاهيم والمصطلحات فتصير اللغة سطحية .. ليس بالضرورة ان يكتب الشاعر او الاديب او المفكر او المثقف بلغة سهلة.. لماذا لا نضع هذه المصطلحات لكي نعمل على تحريك وعي الانسان.. ليبحث عن هذا المصطلح.. يتجه الى المراجع والقراءات لكي يرتفع بوعيه.. لأن الهدف هو كيف نرفع مستوى وعي الناس الى الاعلى¡ لا ان نهبط بالثقافة وبالمفاهيم الى الادنى¡ وبهذه العملية لن ننتج ولن نعمل شيئاً.. فالافضل ان ترفع وعي الناس ولاتنزل بمستوى اللغة والمصطلحات.

- نأتي للحديث محلياً .. وانت ذكرت لي اسماء فلاسفة عرب كنت اتوقع ان تذكر يمنياً واحداً صاحب مشروع يملك مؤلفات كمن ذكرت..وكنت قد سألت ذات مرة احد المهتمين هنا عن مقولة للدكتور علي حرب وهو استاذ فلسفة ادعى فيها خلو اليمن من مفكر يملك مشروعاً.. ماذا تقول¿!

- حديثاً المفكر يرتبط بكتابة.. لكي يوجد مفكر لابد ان تكون له كتب ومؤلفات.. هناك اساتذة كبار موجودون غير أن الانسان لا يظهر الا من خلال ما يكتب بالفعل.. فلا يمكن ان نقول فلاناً مفكراً.. نعم هو مفكر ومثقف¡ لكن لابد ان يكون بين ايدينا انتاج له كي نعرف ماهي رؤيته.. فبالفعل مشكلتنا في اليمن ان الفلسفة ظلت لفترة طويلة محاربة والواقع ان قسم الفلسفة في كلية الآداب له فاعليه كبرى.وقد انشأنا الجمعية الفلسفية اليمنية بصعوبة جداً¡ وهناك اساتذة فلسفة وموجودون الآن .. وهناك بدايات جادة.. فالناس بدأوا يتجهون الى الكتابة والتأليف..وانا اتوقع انه في السنوات القادمة ستظهر رموز.. سيظهر مفكرون¡ وعندنا مشكلة الخواجة دائماً. فهناك كتب ومؤلفات موجودة ليمنيين لكننا لا نقرأها.. واحياناً أنت تعطي كتاباً لشخص فلا يقرأه لمجرد أنك يمني.. فإذن عندنا اصلاً مشكلة.. واحياناً الشخص قد يعرف خارج الوطن بشكل افضل بين المتخصصين.. وبالتالي فلدينا اساتذة فلسفة ممتازين في اليمن وخلال السنوات القادمة ستظهر كتب متعددة. وان شاء الله في المستقبل يكون للفلسفة تواجد اكبر من قبل كل اساتذة الفلسفة في جامعة صنعاء ¡ وسواها من الجامعات اليمنية.. والآن رئاسة الجامعة تدعم الفلسفة - جامعة صنعاء برئاسة الدكتور خالد طميم - اكثر من اي جامعة يمنية اخرى.. فهناك اهتمام ¡و حتى في الخارج بدأ الناس يتجهون الى معرفة ماذا يجري في اليمن بشأن ازدهار الفكر الفلسفي.

< في واقع الدرس الفلسفي الاكاديمي من حيث المناهج وأهلية الاساتذة ودافعية الطلاب¡ وما الى ذلك.. هل يمكن ان نتحدث عن امكانية ان يخلق هذا الوضع مستقبلاً ما يشبه النواة لفلاسفة وكتاب ومفكرين.. اقول هذا وقد عبر لي بعض طلاب الفلسفة فيما يشبه الشكوى عن حال اقل ما يقال فيه انه مزر ولا يمكن ان يخلق شيئاً مما نؤمل فيه اطلاقاً.. ماذا يقول استاذ الفلسفة؟

- الفلسفة - عزيزي - تحتاج الى عشاق.. الطالب الذي يدخل الفلسفة لابد ان يحبها.. ونحن في اليمن سيطرت علينا في المرحلة الاخيرة ليس في الفلسفة وانما في الدرس الجامعي فكرة خاطئة جداً.. هي ان الطالب يبحث عن التخصص الذي يؤمن له وظيفة.. وبالتالي يقال.. لماذا تدخل الفلسفة ولا يوجد لها عمل¿ وهذه النظرة هي ضمن الحرب على الفلسفة.. وحتى اثناء تسجيل الطلاب في بداية العام الدراسي نجد من يسعى من القوى الظلامية.. من القوى المعادية للعقل الى ابعاد الطلاب عن التسجيل في قسم الفلسفة¡ ولو ادرك هؤلاء ان الفلسفة هي أكثر العلوم فائدة.. هذا خريج الفلسفة هو الصحفي من الطراز الاول.. ولدينا الآن صحفيون وكتاب خريجو فلسفة.. وخريج الفلسفة هو الباحث من الطراز الاول¡ ونحن نحتاج الى باحثين¡ ونحتاج الى مراكز للدراسات¡ ولو وجدت مراكز للدراسات وتم الاهتمام بها لعمل خريجو الفلسفة على اعداد الكثير من البحوث الرصينة.. هناك فهم خاطئ لدى المجتمع عن الفلسفة للاسف.. لأن المجتمع اليمني - والعربي عموماً - يبحث دائماً عن الفائدة ولا يبحث عن العلم.. فالعلم بحد ذاته هو القيمة، نحن نريد ان نصل الى قناعة الاهتمام بالعلم.. فهناك فهم خاطئ لدى المجتمع.. اذ يعتقدون ان الفلسفة هي الكلام او السفسطة.. دون ادراك انها تقدم للعلوم الانسانية والعلوم الطبيعية المناهج العلمية والعقلانية في البحث والدراسة.. الفهم الآخر للاسف حتى لدى بعض الاكاديميين والمثقفين ممن ليسوا اساتذة فلسفة ¡ لم يستوعبوا بعد معنى الفلسفة.. مع ان كل دكتور في اي من العلوم مكتوب على شهادته (ph.d ) يعني فلسفة .. شهادة الفلسفة في الطب¡ شهادة الفلسفة في الهندسة.. شهادة الفلسفة في اللغة العربية.. في التاريخ.. الفلسفة تعني الذهاب الى عمق الاشياء وجوهرها.. اما الشيء الآخر.. فالطالب الذي يشكو.. نحن نجد ان الطلاب الموجودين الآن ليسوا كطلاب زمان.. ففي جيلنا على الاقل كنا ندخل حباً في الفكر والفلسفة والاطلاع.. اما الطالب الجامعي الآن فهو يبحث عن وظيفة¡ ولا يبحث عن العلم¡ وبالتالي لا يهتم بالقراءة الكثيرة، وانما يريد ملزمة.. وطالب الفلسفة يفترض ان يقرأ كتباً ولا يبحث عن ملزمة.. فإذن هم يجدون صعوبة لأنه ليست لديهم الدافعية الفكرية لعشق هذا الفكر.. فهم قلة.. مع وجود - الآن - طلاب كثيرين متميزين يطلعون ويقرأون مع وجود المنتديات الثقافية¡ ومع وجود الكتابات المتعددة.. اساتذة الفلسفة - للامانة - يقدمون عطاءً كبيراً.. ويسهلون للطلاب.. نحن نعطي الكتب من المنازل للطلاب لعدم توفرها في المكتبات احياناً.. وللظروف المادية الصعبة للطلاب¡ فنحن نسعى كأساتذة الى منح الطلاب هذه الكتب¡ وان شاء الله هذه الفكرة تتحول في المستقبل مع وجود الندوات والكتابات المتعددة في الصحافة عن الفلسفة.. وانا اشكرك على هذه المبادرة الطيبة الممتازة.. وهذا العمل الذي تقوم به هو نوع من التأكيد على أهمية التفكير الفلسفي..

- وأخيراً.. استاذي العزيز ، وانت رئيس الجمعية الفلسفية اليمنية، وقد حدثتني سابقاً عن بعض ظروف نشأتها.. ولكن سأسألك - بتقليدية محضة - ما هي اهدافها .. وماذا يمكن ان تقدمه للفلسفة؟

- الجمعية هي المنبر الوحيد الذي يمكن ان يقدم الفلسفة للمثقفين والمجتمع خارج الجامعة.. فخارج الجامعة الناس لا يعرفون شيئاً عن الفلسفة.. فالذي يعرف عن الفلسفة هو الطالب او المثقف.. هدفنا الاساسي في الجمعية ان القسم يعطي الدرس الجامعي الاكاديمي والجمعية تعطي للناس فكرة عن الفلسفة عن طريق اقامة الندوات ¡والمحاضرات العامة وحلقات النقاش.. نحن نقيم في كل اسبوع لقاءً يوم الاربعاء.. فنأتي بأناس من مختلف التخصصات¡ نأتي بشخص من التجارة¡ من الطب¡ من الزراعة.. يتكلم في موضوعه¡ واثناء الحوار نحاول ان نحلل هذه الفكرة بطريقة فلسفية¡ مجرد وجودهم داخل جمعية للفلسفة ¡ولو انهم يتكلمون في موضوع خارجي سيخرج هذا الاستاذ والحاضرون ايضاً بفكرة ان هناك فلسفة¡ وان هناك جمعية للفلسفة¡ وفي كل حلقة نقاش¡ وكل موضوع نقدم تعريفاً بالفلسفة بشكل عام.. ونضع ايضاً محاضرات وحلقات نقاش وموضوعات فلسفية كثيرة جدآً¡ فللجمعية دور كبير لكننا للأسف ووجهنا بحرب شعواء منذ البداية¡ فقد دخلنا في اشكالات لأن البعض لم يكن يريد للفلسفة ان تظهر¡ وكانت مبادرة ذاتية ¡ إذ ظلينا لفترة طويلة ندفع ايجارات المقر من مرتباتنا.. لكن الآن كل يوم يزداد المؤيدون للفكر الفلسفي وعشاق الفكر ¡ وتحدث مناظرات فكرية.. آخر يوم كنا نعمل حول علاقة اللغة بالفلسفة¡ وعلاقة السياسة بالفلسفة .. اذ ان العلوم مرتبطة بالفلسفة.. كما هو معروف ان الفلسفة هي أم العلوم.. فأنا أؤكد انه سيكون للجمعية دور بارز وكبير¡ وادعوك أنت وكل المثقفين والمهتمين الى حضور فعاليات الجمعية لكي نستفيد اكثر.

________________________________________








هناك تعليق واحد:

  1. حوار اكثر من رائع ... كيف لى ان اتواصل مع الدكتور حسن الكحلانى

    ردحذف

التعليقات المسيئةلدستور الجمهورية اليمنية
لا يمكن نشرها
يجب الالتزام بقيم الحوار البناء من اجل الخروج برؤية مستنيرة